على أعتاب رسالة نصية وصلت عبر هاتفها المحمول تفيد بصرف مخصصها الاجتماعي البالغ 370 شيكلًا بدلًا من 1800 شيكل، تهدمت أحلام أبناء آمنة أبو موسى الذين كانوا ينتظرون صرفها ليشرعوا مع والدتهم في شراء احتياجاتهم المدرسية أسوة بزملائهم.

أصيبت آمنة أبو موسى (62 عامًا) من سكان مخيم المغازي وسط قطاع غزة، بصدمة لحظة قراءة الرسالة، وحاولت تبديد حزنها باحتمالية وجود خطأ في إرسال الرسالة، ولكن عند ذهابها إلى البنك في اليوم التالي تيقنت من أن الأمر حقيقي.

عادت إلى بيتها بدموع عينيها، والأسئلة تتردد في ذهنها عن كيفية تدبير أمورها وتسديد دينها المؤجل إلى حين استلام شيك الشؤون، كما جرت عليها العادة في إدارة شؤون بيتها.

تقول: "كنت قد وضعت قائمة قبل استلام المبلغ المخصص لي 1800 شيكل، الذي لا يكفي لتسديد ديون الصيدلية، والبقالة، والغاز وغيرها، هذا عدا عن طلبات الأولاد الخاصة بالمدرسة المؤجلة لهذا اليوم".

ولدى آمنة 5 أبناء في مراحل تعليمية مختلفة ويحتاجون إلى مستلزمات مدرسية من زي مدرسي، وحقائب، وقرطاسية، وغيرها.

وتضيف: "عندما رأى أبنائي حالتي التي عدت بها إلى البيت، تنازلوا عن احتياجاتهم خوفًا أن يحدث لي شيء لكوني مريضة ضغط وكلى، ولكن بكاءهم حرق قلبي".

وتتساءل آمنة: "كيف يمكن لأبنائنا أن يتوجهوا إلى المدرسة ويلتقوا بزملائهم دون تجهيزهم باللوازم الضرورية؟ وكيف يمكن للسلطة الفلسطينية أن تستمر في صرف رواتب موظفيها شهريًا، في حين نحن المستفيدين من الشؤون الاجتماعية نعتمد على المخصصات التي تأتينا من الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن للسلطة أن تصرفها إلا كل ثلاثة أشهر؟"

"أعدمونا فوق ما نحن معدومين، بتنا نجد صعوبة في تأمين قوت يومنا وبالكاد أستطيع توفير علاج زوجي الذي يعاني من اضطراب نفسي حتى لا نصبح فرجة للجيران"، وفق حديثها.

وفي العطلة الصيفية لجأ ابن آمنة المقبل على مرحلة الثانوية إلى العمل في مطعم للمأكولات الشعبية، وبعد دوام يستمر 9 ساعات يتقاضى أجرًا قدره 5 شواكل لأجل ادخاره وشراء زيه المدرسي، وتأمل أبو موسى أن تعيد وزارة التنمية الاجتماعية النظر في أحوال أسرتها وظروفها، "فلا نملك أي مصدر دخل، فهذه المخصصات هي مستحقاتنا ومن حقنا وأبنائنا".

واشتكت آلاف الأسر التي تتلقى مخصصات الاجتماعية من وزارة التنمية الاجتماعية في السلطة الفلسطينية من خصومات كبيرة على مخصصاتهم وصلت إلى 80%، إذ أفادت الأسر بتلقيها 370 شيكلًا من أصل مبالغ مختلفة تتراوح من 1800 إلى 700 شيكل.

مخصصات لا تكفي

وليس حال محمود اليازجي أفضل من سابقتِه، فيقول: "لو التزموا بصرف شيكات الشئون كل ثلاثة أشهر لن تكفي لتسديد إيجار البيت المتراكم، عدا عن الاحتياجات الأخرى من كهرباء، وغاز، وطعام، وشراب، وملبس، ويزيد الطين بلة أننا مقبلون على موسم مدارس".

ونتيجة تراكم الإيجار غادر محمود الشقة التي يقيم فيها بطلب من مالكها، يقيم حاليًا في أرض حدودية تعود لصديقه في المنطقة الوسطى بانتظار إيجاد حل دائم، ومع اقتراب موسم افتتاح المدارس، لم يعد يستطيع النوم ليلًا، لشعوره بالقلق إزاء قدرته على توفير احتياجات أبنائه للمدارس. 

وحتى هذه اللحظة ليس أمامه أي حلول، "لكن ما يعني لي أنه من حق أبنائي الثلاثة أن يعيشوا حياتهم، وأن يصلوا مدارسهم بكامل مستلزماتهم أسوة بزملائهم".

ويعاني اليازجي التهابات مزمنة في المفاصل دفعته لإجراء العديد من العمليات الجراحية لأجل تركيب 4 مفاصل في رجليه، كما أنه مصاب بتشوهات في يديه تجعله لا يقوى على العمل.

وضع تحت الصفر

أما صباح جربوع (57 عامًا) التي تسكن في شقة مستأجرة وتُعيل عائلتها وعائلة ابنتها المتزوجة المكونة من 5 أفراد بعد طردهم لتراكم الإيجار، فتقول: وضعي الاقتصادي تحت الصفر، لا أستطيع تأمين أي شيء من احتياجات البيت من مأكل أو مشرب أو حتى علاج لوضعي الصحي".

وتعاني جربوع كسرًا في منطقة الحوض، وخشونة في الركبة وهي بحاجة لتغيير مفصل، وفق تقييم الأطباء، وتقول إنها لا تستطيع تأمين العلاج لتسكين أوجاعها.

وعملت جربوع بالمدة الماضية في بيع مثلجات "البراد" في محاولة لإيجاد دخل ولو بضعة شواكل، وتأمين مبلغ تستطيع به شراء كسوة مدرسة ابنها المقبل على مرحلة تعليمية جديدة، ولأحفاد ابنتها، ولكن أوجاعها منعتها من إكمال العمل في مشروعها البسيط.

وتضيف: "ننتظر فرجًا قريبًا ونأمل تأمين المستلزمات المدرسية قريبًا، فهي التحدي الأهم بالنسبة لنا الآن".

ومع حلول موسم استقبال المدارس، تتجدد التحديات التي يواجهها منتفعو الشؤون الاجتماعية، نتيجة التزامات مالية إضافية تتطلب منهم التكيف مع واقعهم المالي المحدود، فيزيد الضغط على هذه الفئة من المجتمع بسبب المصروفات الإضافية المرتبطة بالعديد من المواسم.

ويُشار إلى أن مخصصات الشؤون تصرف بمعدل مرة كل ثلاثة أشهر للعائلات الفقيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويُقدر بأن نحو أكثر من 60% من سكان قطاع غزة البالغ عددهم زهاء مليوني و300 ألف نسمة يعانون البطالة والفقر، وتقدّر أعداد منتفعي الشؤون بحسب أرقامٍ رسميّةٍ نحو 116 ألف أسرة، منهم قرابة 81 ألف أسرة من غزّة، طالت الخصومات 17 ألف منتفع منهم.